قصة صورة

لهذا الصورة قصة طريفة تعود للعام ١٩٨٣

في صيف ذلك العام، بعدما أنهيت السنة الثالثة في كلية الهندسة، سافرت بترتيب من مكتب الإياستا الموجود في كليتي في الجامعة الأردنية إلى النرويج لقضاء شهرين من التدريب العملي.

كان تدريبي في مختبرات قسم الهندسة الكهربائية في جامعة مدينة تروندهايم، وهي المدينة الهادئة التي تقع شمال العاصمة أوسلو على شاطئ المحيط الأطلسي، وهي محاذية لدائرة القطب الشمالي، في منطقة جبلية كثيرة الأشجار وأنهار تصب في المحيط.

وقد رافقت في فترة التدريب هناك طلبة آخرين من دول مثل سويسرا واليونان وألمانيا وأيسلندا وهونج كونج واليابان، وكانت فترة التدريب مفيدة وممتعة، حيث أشرف على تنظيمها طالبات نرويجيات متطوعات حرصن على تعريفنا بمدينتهم الصغيرة وتنظيم نشاطات اجتماعية لنا. وأعتز أن الصداقات التي بدأت هناك استمرت لسنوات طويلة.

أشرف على تدريبي في المختبرات مسؤول لطيف من جيل والدي، أراد أن أتعلم وأتعرف على الحياة في النرويج، حتى أنه دعاني في أحد الأيام إلى بيته لتناول طعام العشاء، وأعدت زوجته لنا طعاما محليا، كان الطبق الرئيسي “رغيف اللحم” الذي يُخبز بعد خلط العجين مع لحم مفروم ناعم.

بعد العشاء، في ذلك الصيف الذي لا تغيب شمسه للقرب من القطب الشمالي، دعاني مشرفي لمرافقته في رياضته المفضلة وهي صيد السمك من نهر قريب، وبعد أن حمّل عدة الصيد في سيارته واستدعى كلبه، فاجأني بطلب وهو أن أجلس في الخلف، لأن كلبه متعود على الجلوس جانبه عندما يذهب إلى الصيد! الكلب في الأمام والضيف في الخلف! لا يمكن أن يحدث هذا في الأردن، لكن نحن في النرويج.

بعد دقائق وصلنا إلى نهر عريض بطيء الجريان، قال أن فيه الكثير من سمك السالمون، تحمست، فهذه أول مرة أشارك في صيد السمك، حضّر الصنارة والطعم وبدأ برمي الخطاف مع الطعم إلى النهر وسحبهما ببطء، كان كل شيء جديد علي، ورغبت أن أجرب، فأعطاني صنارة أصغر من صنارته الاحترافية، واقترح علي أن أصيد في مكان قريب ضحل.

ثبتت الطعم، رميت، انتظرت، لم يحدث شيء، لاحظت أن الطعم ضاع، ثبتت طعما آخرا وكررت العملية، ضاع الطعم مرة ثانية. في المرة الثالثة أبقيت الخطاف قربي، فلاحظت أن سمكات صغيرات تنهش الطعم من الجوانب حتى تأكله بدون أن تبلع الخطاف. شعرت أن هذا السمك الصغير يخدعني.

فكرت، ما الحل؟ جاءتني فكرة: أجذب الخيط بسرعة عندما تتجمع السمكات حول الطعم. نجحت الفكرة، السحب السريع يغرز الخطاف في إحدى السمكات، فأخرجها من الماء لعندي. اصطدت خمس سمكات صغيرات، وتوقفت لشفقتي عليهن، هذا السمك أصغر من أن يُؤكل، والأفضل أن يُترك ليكبر.

عدت إلى مشرفي منتشيا بإنجازي، خاصة أنه لم يصطد شيء في ذلك اليوم. عدنا إلى بيته، وبعد أن شكرت زوجته، أوصلني إلى سكن الطلبة الذي كنت أقيم فيه.

حماسي من تجارب ذاك المساء دفعني للاتصال، في نفس الليلة، بأصدقائي الجدد المتجمعين في إحدى شقق السكن، أخبرتهم أنني قادم إليهم، وأنني قد اصطدت سمكة كبيرة، وأنني أحتاج مساعدتهم في طهويها، وطلبت منهم تحضير الكاميرة لتصويري مع أول سمكة اصطدتها.

عندما وصلت كانوا ينتظرون رؤية سمكة سالمون كبيرة، عندما فتحوا الباب لالتقاط الصورة كان بيدي إحدى السمكات الصغيرات، ضحكنا طويلا، وهذه الصورة هي لي مع أول سمكة اصطدتها.